سورة المائدة - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7)}.
التفسير:
عطف هذه الآية على ما قبلها هو توكيد للشكر الواجب علينا أن نعيش فيه مع اللّه الذي تحفّ بنا ألطافه، وتشتمل علينا نعمه.. ففى كل نفس يتنفسه الإنسان نعم ظاهرة تحدّث بها كل جارحة فيه.. فضلا عن النعم التي تساق إليه من هذا الوجود الذي يتحرك في رحابه ويتقلب بين أرضه وسمائه.
قوله تعالى: {وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ} هو عطف على قوله تعالى: {نِعْمَةَ اللَّهِ} أي اذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذى واثقكم به.
والميثاق الذي واثقنا اللّه به هو ما أشار إليه سبحانه في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا} [172: الأعراف] فهذا إقرار من الناس جميعا- قبل أن يخلقوا وقبل أن يكونوا أناسا- بالولاء للّه، والاعتراف بربوبيته.. وهو إقرار ضمن الإقرار العام للوجود كلّه بالانقياد للّه، والولاء له.
وإذ يذكر الإنسان أنه كان على عهد مع اللّه وهو في مضمر الغيب، قبل أن يكون له وجود، وقبل أن يستكمل وجوده، ويصبح كائنا، عاقلا رشيدا- إذ يذكر الإنسان هذا من أمر نفسه، ويذكر ما ينبغى أن يكون موقفه من اللّه، وهو الإنسان العاقل الرشيد- وجد من السفاهة والضلال أن يكون على غير هذا الطريق القويم الذي انتظم فيه مع الوجود كله يوم أن لم يكن شيئا.
فكيف يسفه ويحمق، ويشرد عن هذا الطريق، ويتخذ لنفسه طرقا لا معلم فيها، ولا أنيس له في مجاهلها إلا من كان على شاكلته من التأئهين والضالين وإخوان الشياطين؟
هذا، ويمكن أن يكون هذا الميثاق الذي واثق اللّه به الذين آمنوا هو ذلك الميثاق الذي بايع به المسلمون رسول اللّه إذ دخلوا في الإسلام، فقد كانت بيعتهم لرسول اللّه قائمة على: السمع والطاعة في المكره والمنشط أي في الضرّاء والسّرّاء. والعقد الذي وثّقه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مع المؤمنين، هو عقد للّه، ومن ثمّ كانت إضافته إلى اللّه تعالى، تكريما للنبىّ، وتوثيقا بعد توثيق لهذا الميثاق العظيم.. {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} [10: الفتح].
فكل من دخل الإسلام، دخل بهذا الميثاق، سواء شهده أو لم يشهده.
فلا إيمان بغير استجابة، ولا استجابة بغير طاعة وامتثال.


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10)}.
التفسير:
مما يدخل في الميثاق الذي واثق اللّه به المؤمنين أن يكونوا {قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ} والقيام للّه هو الانتصار لشريعته والرعاية لأحكامه.. سواء في محيط الإنسان في ذاته، أو في دائرة الجماعة الإسلامية كلها.. فحيثما كان للّه أمر أو نهى في شأن من الشئون أو موقف من المواقف كان على الإنسان أن يستحضر له وجوده كله، وأن يلقاه بوجوده كلّه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {قَوَّامِينَ لِلَّهِ} حيث يحمل هذا الفعل معنيين، يكمل أحدهما الآخر: القيام، ثم المبالغة في هذا القيام إلى أقصى حد يستطاع.
وهذه الدعوة بالقيام بأمر اللّه ونهيه، والمبالغة في هذا القيام، هو أمر ملزم للمؤمن في ذاته، كما هو ملزم للمؤمنين جميعا.. الإنسان فيما هو له وعليه، والجماعة كلها فيما هو لها أو عليها.. فليس يكفى لسلامة الإنسان أن يسلم في نفسه، وإنما أن تسلم الجماعة معه، ففى سلامتها سلامة له، وفى عطبها عطب ضمنى له! وقد شرحنا هذه الآية عند وقوفنا بين يدى الآية الكريمة: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} [135: النساء] ويلاحظ أن صورة النظم قد اختلفت هنا عن صورتها هناك، فقد سلّط كل من الفعلين على ما سلط عليه صاحبه: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ}.
{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ} وهذا يعنى أن القوامة بالقسط هى قوامة للّه، وأن الشهادة للّه هى شهادة بالقسط.. ذلك أن القسط هو العدل، والعدل صفة من صفات الحق جلّ وعلا.. ومجموع الصورتين يعطينا صورة مؤكّدة للمأمور به فيهما، هكذا:
كونى قوامين للّه.. شهداء للّه.
كونوا قوامين بالقسط.. شهداء بالقسط.
ولكنّ النظم القرآنى جاء بهما على هذا النمط الذي صانهما من هذا التكرار، كما فوّت الجمع بين اللّه سبحانه وتعالى وبين صفته. وكلاهما نحن مدعوون إلى توقيره، مأمورون بالاحتفاء به.
وبين يدى الدعوة إلى رعاية أوامر اللّه، واجتناب نواهيه، والتزام حدود العدل والحق- تنتصب صورتان، إحداهما لمن آمن واهتدى، واستقام على طريق اللّه، فأحل الحلال، وحرّم الحرام، والأخرى لمن كفر باللّه، واتبع هواه، وركب طرق الغواية والضلال.. وفى الصورة الأولى يرى المؤمنون ما أعد اللّه لهم من واسع رحمته، وعظيم فضله، وفى الصورة الثانية يرى الكافرون ما أعد لهم من جهنم وقد فغرت فاها، ومدت ألسنتها لتصطادهم من بعيد وقريب: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ}.


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}.
التفسير:
الهمّ بالأمر.. هو العزم عليه، دون تنفيذه لأمر ما، من داخل النفس أو خارجها.. {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ} [24: يوسف].
وبسط فلان إلى فلان يده: مدّها إليه بالشر والأذى.. {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [28: المائدة].
وقد اختلف المفسّرون في هؤلاء القوم الذين همّوا أن يبسطوا أيديهم إلى المؤمنين بالأذى فكف اللّه أيديهم عنهم.
والصورة التي ترتسم لمن يقرأ الآية الكريمة، مستعرضا أحداث الإسلام الأولى، يرى أنها تشير إلى ما وقع في غزوة الخندق، المسماة غزوة الأحزاب كذلك- فقد جاءت قريش بجموعها، وبجموع أحلافها، تريد أن تقتلع الدعوة الإسلامية من أصولها، فعسكرت حول المدينة، ووقفت أمام الخندق الذي أقامه الرسول والمسلمون حولها.. وكان من تدبير اللّه سبحانه أن أوقع الخلاف بين هؤلاء الأحلاف، بعد أن طال بهم المقام في مواجهة المدينة دون أن يصلوا إليها.. ثم أرسل اللّه عليهم ريحا عاصفة في ليلة مظلمة باردة.. فأطفأت نارهم، وقلبت قدورهم، وهدمت خيامهم.. حتى إذا انكشف وجه الصباح كانوا هشيما مبعثرا على كل طريق.. إلا الطريق إلا المدينة، وهكذا كان فضل اللّه، وكانت رحمته التي ينبغى أن تكون مما يذكره المسلمون من نعم اللّه ورحماته! وفى هذا يقول اللّه تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [9- 10: الأحزاب].. ويقول سبحانه: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً} [25: الأحزاب] فهل نعمة أعظم من هذه النعمة؟ وفضل أكبر من هذا الفضل؟.
ومن عجب ألا أجد أحدا من المفسرين يقول بهذا الرأى.. فيما بين يدىّ من كتب التفسير! وفى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} وفى عطفه على قوله سبحانه {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} ما يشير إلى أن المراد بذكر نعم اللّه، ومراجعة أفضاله على الإنسان، ليس هو مجرد لذكر باللسان، والتسبيح به، وإنما الذي يحقق لهذا الذكر أثره هو أن يكون مبعثا لخشية اللّه، واستحضارا لجلاله وعظمته، وذلك مما يبعث إلى التقوى، التي تقوم على مراقبة اللّه، وحراسة جوارح الإنسان من معصيته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8